Sunday 28 August 2016

قراءة في انتحالات التمتمي في كتابه "خلاصة المنطق" (سعود الزدجالي)







كمثل العنكبوت اتخذت بيتا...
قراءة في انتحالات التمتمي
خلاصة المنطق
بقلم: سعود الزدجالي

قبل البدء:
                صدر مؤخرا كتابٌ بعنوان: خلاصة المنطق مقارنة مع أصول الفقه، لمؤلفه: أحمد بن عبيد التمتمي، عبر سلسلة "البحوث العلمية؛ لصفحة "درر إيمانية" والناشر مكتبة وتسجيلات الطلائع بإبراء، ولا يوجد رقم إيداع للكتاب؛ والكتاب صادر بطبعته الأولى (1437هـ/ 2016) وبالقطع المعتاد وحجم يصل إلى (188) صفحة، وفي آخره قائمة بمؤلفات أخرى للتمتمي، ويلفت الانتباه ما نجده من ظاهرة معتادة في المشهد العماني يمكن إيجازها في الآتي:
1.       تقديم احتفائي للكتاب دونما معرفة عميقة لأصله، وأمانته العلمية، وحقله المعرفي، وتقديم خلاصة التمتمي بقلم سليم آل ثاني؛ يقول فيه: "ومن المؤلفات المعاصرة البديعة في هذا الفن هذا الكتاب الذي بين أيدينا "خلاصة المنطق" للشيخ الفاضل: أحمد بن عبيد التمتمي، حفظه الله تعالى، والذي يتميز بوضوح العبارة، وجمال الإشارة، وحسن التبويب والتقسيم، ليس بالطويل الممل، ولا بالمختصر المخل، مع شموله لمباحث الفن وقضاياه التي لا غنى عنها لطالب علوم الشريعة والعربية"[i]، وهذه عبارة جاهزة تلصق عادة بكل مؤلف يريد المقدّم مجاملته؛ لأن الحكم على كتاب كهذا؛ يحتّم على الكاتب أن يكون عارفا عليما بالمنطق ومؤلفاته؛ حتى يطلق القول بتميزه بحسن التبويب والتقسيم؛ وإذ إن هذا الحكم غير صادق صدقا (ما صدقيا) منطقيا؛ فإن النتيجة: أن الكاتب لتلك العبارة لا علاقة له بالمنطق، وهو غريب عن تاريخه ومؤلفاته وجهابذته (وليعذرنا في ذلك)، ولا يعدو الحكم من كونه تلفيقا ومجاملة لا تليق بمثله.
2.       قصائد احتفائية وألقاب اجتماعية مرصوصة لمدح المؤلف "الألمعي التمتمي" وكتابه على حدّ تعبير صاحب التقريظ الأول وهو "الشيخ" عامر الصبحي، والثانية لمحمد بن سالم الحارثي يعبر فيها "الشاعر" تعبيرا عجيبا يقول فيه: "أنا وأنت كلانا نخطب الشهبا"، وكأنك في بلاط سيف الدولة إذ يمزج المتنبي الفخر بالمديح، وكانت الثالثة الأخرى لخميس المكدمي؛ ويجمع القصائد كلها الركاكة والمجاملة؛ إذ كيف للإنسان في مجال العلم أن يحكم على الكتاب وصاحبه دون "تصور" للمنطق، وتصور لمصادر الكتاب؟ والأغرب أن يعمد المؤلف فيضع هذه القصائد في مقتبل كتابه، وكأن العلم لحصد المادحين في بلاط الوهم.
                يهدف هذا المقال إلى وضع الكتاب في موضعه الحقيقي في المنطق ومؤلفاته، من حيث الكشف عن مساره العلمي؛ والكشف عن السرقات العلمية والانتحالات التي يتحمل مسؤوليتها كل من المؤلف الذي ينتمي إلى تيار ديني، ويجلس للإفتاء، وكان يفترض أن يتحلى بأعلى درجات الأمانة العلمية التي هي روح الباحث؛ فإذا انسلخت منه؛ فأقم عليه مأتما وعويلا، ويتقاسم هذه المسؤولية مقدمُ الكتاب وهو سليم آل ثاني، والمدّاحون أصحابُ القصائد النورانية، والصفحةُ الراعية، والناشرُ، ووزارةُ الإعلام؛ لأن الكتاب منشور في السلطنة دون رقم إيداع مدون؛ وقبل الولوج إلى مفاصل المقال وموضوعاته ومشكلات الكتاب؛ أود أن أضع بعض النقاط التي هي بمثابة المصادرات التي لا تلزمني البرهنة عليها:
1.       إن الحركة النقدية في المجتمع عموما، والمشهد العلمي والثقافي على وجه الخصوص؛ مهمة أهمية بالغة؛ لبناء وعي ثقافي حضاري يفي بمتطلبات الاجتماع البشري والتدافع فيه؛ وفي الإطار نتذكر عبارة للمستشرق الياباني نوبوأكي نوتوهارا: "المشكلةُ ليست أن نكره أمريكا أم لا، المشكلةُ في أن نعرف دورنا بصورة صحيحة، ثم أن نمارس نقدا ذاتيا بلا مجاملة لأنفسنا، بعدئذٍ نختار الطريق الذي يصحح الانحراف ويمنع تكراره في المستقبل، أمّا المشاعر وحدها فإنها مسألة شخصية محدودة لا تصنع مستقبلا"[ii]
2.       إن ظاهرة السرقات الأدبية والانتحالات في مشهدنا العلمي والثقافي ظاهرة قذرة؛ ينبغي أن نؤمن بأنها مرض يجب علاجه؛ ولأنها تؤدي إلى أمرين مزدوجين هما: إنتاج العلماء والمثقفين الزائفين الذين يمارسون الاستخفاف بعقولنا، وتهميش الآخرين الحقيقيين، وتحويلهم، وتحويل إنتاجهم العلمي إلى "سقط المتاع" ؛ وصمتنا عن هذه الظاهرة يجعل الأبواب مشرعة أمام هذا الزيف لتولي المناصب واستمرار الفساد في الأصعدة كلها، وهو ما نلمسه في حاضرنا.
3.       إن ظاهرة السرقات والانتحالات إن تُركت تنمو في المجتمع دونما إجراءات قانونية احترازية صارمة، وظواهر نقدية؛ فإنها تؤدي إلى تهميش حضارة السلطنة، وتراثها، والتضحية بسمعتها أمام الآخرين بوجود فئات لا يُشبع غرورها، ورغبتها في الظهور إلا سرقة الأفكار والنصوص وتشويهها. هذه مصادراتٌ مؤلمة؛ ولكنّها ضرورة تحتمها علينا المسؤولية الأخلاقية تجاه أنفسنا، وتجاه العلم والثقافة والتراث الوطني والإنساني.
مزاعم المؤلف:
1.       يقدم المؤلف كتابه بعنوان مضلل؛ يربط فيه بين حقلين هما: المنطق  وأصول الفقه؛ والربط بحد ذاته إشكال لا يتوافق مع أغراض الكتاب وأهدافه؛ من حيث إن المؤلف يقدم "خلاصة المنطق"؛ على حدّ زعمه "ليسهل على الطلاب دراسة هذا الفن، وقد بذلت الجهد لتخليص أهم مسائل الباب؛ فلم أختصره اختصارا يخل بأبوابه، ولم أطل فيه إطالة تخيف طلابه"[iii]، فكيف يسهل الأمر، بما يصعُب في ذاته؛ بالربط بين المنطق وأصول الفقه؟  ذلك أن الربط بين الحقلين من مهام الدراسات العميقة المتقدمة، وسوف أبرهن على ذلك في البند التالي؛ ولا يمكن للإنسان أن يربط بينهما ما لم يكن ريان منهما جميعا.
2.       إن النظر إلى المنطق وأصول الفقه لا يخلو من افتراقه إلى نظرين على الأقل؛ (الأول) ما تناوله القدماء سواء أكانوا ينصّون على ذلك في كتبهم، أم تنطق به أحوال صنعتهم في العلوم، وهو توظيف علم المنطق في العلوم العربية، ولعل أهمها أصول الفقه والكلام، مثلما فعل ابن حزم في كتابه "التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية"[iv]؛ أو ما فعله الغزالي في المستصفى، والمعيار؛ أو "الرسالة الرمزية في أصول الفقه" لعادل فاخوري[v]، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث في كتاب التمتمي؛ وما فعله نوع من المزج والتخليط الذي يجانب المنهج العلمي، ويدل صنيعه على عدم إلمام المؤلف بالمنطق ولا على تعمّقه العلمي بأصول الفقه؛ لأن القضية لا تتعلق بحفظ المسائل ونقلها، ولكنها تتعلق بالقدرة على التحليل العلمي النقدي؛ (والثاني) وهو المتبادر إلى ذهن المتلقي من أن كتاب التمتمي دراسة علمية تروم عقد الموازنات والمقارنات والبحث عن المصادر بين الحقلين وفي هذا المجال تزخر المكتبة العربية بدراسات لها أهميتها؛ مثل: القياس ومكانته في المنطق اليوناني لابتسام جمال، أو المنهجية الأصولية والمنطق اليوناني من خلال أبي حامد الغزالي وتقي الدين ابن تيمية لحمّو النقاري، أو العلاقة بين المنطق وعلم أصول الفقه: قراءة في فكر الأشعري، لمحمود علي محمد، أو المباحث المنطقية في علم أصول الفقه لخالد ولد أحمدو وهو مقال منشور على (الألوكة) بتاريخ 16 أبريل 2012، أو الأسس المنطقية لتشييد علم أصول الفقه عند أبي حامد الغزالي من جهة الحد والقياس، لزين العابدين مغربي، دراسة في مجلة (إنسانيات) العدد (43) 2009، أو المقال الذي نشره عبدالعالي المتقي على شبكة "مؤمنون بلا حدود"  في 25 أكتوبر 2014 ، أو المنطق وأصول الفقه للسيد الصرخي الحسني، أو المقال الذي نشره محمد عدي على "مؤمنون بلا حدود" 7 نوفمبر 2015 بعنوان: الصلة بين علم المنطق وعلم أصول الفقه عند طه عبالرحمن، أو الدراسة التي نشرها محمد بنعمر في مجلة التفاهم العدد (32) 2011، بعنوان: علم أصول الفقه وتداخل العلوم. وما شيئا من ذلك فعله المؤلف.
3.       أن خلاصة التمتمي (كما يزعم) مختصرٌ من مختصرات المنطق وقد وضعه المؤلف رأفة منه بالطلاب في العلوم الشرعية والمثقفين؛ إذ يقول: "فهذا كتاب مختصر في علم المنطق يتضمن خلاصة مسائله، وأهم أبوابه، وقد وضعتُه لطلاب العلوم الشرعية خصوصا والمثقفين عموما، والهدف من دراسة المنطق لدى طلاب الشريعة أن يكون مفتاحا للعلوم عموما والأصول خصوصا"[vi]؛ وهو إن قصد بذلك أن الكتاب وضع خصيصا بإيعاز من مؤسسة أكاديمية عامة فهذا أمرٌ لا يمكن السكوت عنه؛ لأنه سيُدخل المؤسسة في مساءلات قانونية بما يتضح من السرقات والانتحالات؛ وإن قصد بذلك أنه يضيف كتابا قيّما إلى مكتبة المنطق العربية؛ فإنني أزعم أن تأليف المختصرات في المنطق أصعب من المطولات والدراسات الأكاديمية؛ ولذلك لا يُقدم عليه إلا الراسخون الجهابذة في المنطق وضعا وشرحا؛ فهؤلاء ما لاقوا اليراع حتى سال مدادهم في تحبير حدوده، وتمحيص قضاياه وكلياته، وإتقان أشكال القياس من عقولهم تقسيما للبرهان والسفسطة، ينحتون الأمثلة عليها، ويسندون الحدود والأقوال والاعتراضات إلى أصحابها، وهي (أعني المختصرات) بحدّ ذاتها قليلة لقلة المحققين في المنطق كصاحب الرسالة الشمسية العلامة نجم الدين القزويني الكاتبي، والشرح عليه للعلامة القطب الرازي، وتلخيص ابن رشد، وتنبيهات الرئيس ابن سينا، وتجريد المحقق النصير الطوسي، وتهذيب التفتازاني، وحاشية المولى اليزدي وإيساغوجي الأبهري، وتنقيح الصدر الشيرازي، وسلّم الأخضري، ويضيق المقام عن التذكير بكتب المنطق التي تعد تراثا مهما قديما وحديثا، ولكن لا بد من الإشارة إلى بعض الأعمال المهمة على سبيل التمثيل بإيجاز:
                الأول: كتاب المنطق للمجتهد المحقق الشيخ محمد رضا المظفر، وما تبعه من تحقيقات وشروح؛ إذ يعدّ هذا الكتاب نقلة نوعية في تاريخ المنطق التعليمي؛ فقد كان المنطق يدرس في الحواضر الإسلامية بمختصراته وكتبه القديمة، وأساليبه التي تبتعد عن المعاصرة حتى فتحت كلية الفقه بالنجف الأشرف عام (1958م)؛ برئاسة الشيخ المظفر؛ فكانت أبرز إسهاماته تجديد تدريس المنطق وأصول الفقه[vii].
                الثاني:  جهود العلامة عبدالهادي الفضلي في كتابيه: "خلاصة المنطق"، و"مذكرة المنطق"، وسوف يتضح للقارئ علاقة موضوع المقال بهذين الكتابين؛ ولكن تجدر الإشارة أن جهود الفضلي إنما جاءت تتويجا لجهود الشيخ المظفر؛ فإليه يعود كبير الفضل في تطوير مختصرات المنطق، وأصول الفقه، والكلام في الجانب التعليمي.
                الثالث:  ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة للعلامة عبدالرحمن حبنكة الميداني، ومحاضرات العلامة جعفر السبحاني " نظرية المعرفة: المدخل إلى العلم والفلسفة والإلهيات"، مع العمل العظيم الذي قدمه العلامة محمد باقر الصدر في "الأسس المنطقية للاستقراء"
                الرابع: وفي مجال علاقة المنطق بأصول الفقه؛ يعد كتاب عمّار أبو رغيف "الأسس العقلية: دراسة في المنطلقات العقلية للبحث في علم أصول الفقه" كتابا له أهميته العلمية والمنهجية؛ زد على ذلك الدراسة التي قدّمها محمود يعقوبي في "مسالك العلة وقواعد الاستقراء عند الأصوليين وجون ستيوارت مل"، وهو في مسار الرسالة الرمزية لعادل الفاخوري مع اتساع الأول وعمق موضوعه. وكلّ ذلك إنما أمثلة لتنوير القارئ؛ ليدرك الموضع الحقيقي لكتاب التمتمي الذي يقدمه للقراء.
                لا أعرف شيئا عن التمتمي، غير ما وجدته من السرقات والانتحالات في هذا الكتاب (خلاصة المنطق)، وحينما بحثتُ عنه في الشبكة وجدته يمارس الإفتاء، ويحاضر محاضرات دينية بأسلوب رجل لم يشمّ يوما للمنطق رائحة، مع وجود مختصرات له في الشبكة ربما أعدّها للطلبة، وقد أشرتُ إلى أن ممارسة الذين ينتحلون من الكتب، ويسرقون أفكار المؤلفين والباحثين للتدريس معضلة عظمى في الحركة العلمية والثقافية؛ إذ كيف يقوم بالأعباء الأكاديمية من لا يحترم أسس البحث العلمي، ولا الأمانة العلمية؟ وكيف يحض الناس على الحلال، ويحذرهم بزعمه من الحرام وهو ينتهك الأساس الذي عليه علم الحلال والحرام؟ وكيف له أن ينظر إلى وجوه طلبته ومن يحاضرهم؟ أكان الدين يوما شكلا فارغ المعنى أم هو التقوى ومراقبة النفس؟ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿19﴾ من سورة التوبة.

ما قد يعدُّ من الأخطاء العلمية والمنهجية عند التمتمي:
سيقف القارئ في هذه الفقرات على "عينة" من الأخطاء العلمية والمنهجية التي وقع فيها المؤلف التمتمي؛ والتي ما وقعت إلا بسبب عاملين؛ هما: قلة معرفة المؤلف بالمنطق تاريخا ومضمونا، وكثرة النقل والانتحال، وهي:
1.       يتحدث التمتمي عن إيساغوجي فوفوريوس الذي دخل ضمن "الأورغانون" في فترة لاحقة بعد أرسطو؛ فقد درج علماء المنطق المسلمون على تقسيم المنطق إلى أقسامه التسعة المشهورة؛ وإيساغوجي أول هذه الأقسام، ويمكن العودة حول جدل التقسيم ومكونات "الأورغانون"  إلى إبراهيم مدكور في مقدمة الشفاء للرئيس ابن سينا[viii]، ولكن ما يعنينا هنا أن التمتمي يقول عن إيساغوجي: "ونقله إلى العربية عثمان الدمشقي"[ix]، وهذا خطأ وقع فيه بسبب عدم معرفته، وبسبب انتحاله ممن ينتحل؛ فالفقرة التي تضمنت هذا الخطأ مسروقة من "مذكرة المنطق" للعلامة الفضلي ومثله لا يقع في مثل هذا التخليط[x]، ولكن يبدو أن التمتمي لم ينتحلها مباشرة منه، وإنما انتحلها من الملفات المنتشرة في الشبكة[xi]؛ فالذي نقل "إيساغوجي" هو  أبو عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقي، وليس "عثمان"، وهو يقع في آخر الجزء الثالث لمنطق أرسطو بتحقيق عبدالرحمن بدوي بعنوان: "إيساغوجي فرفوريوس"[xii]، كما أن كتاب "الطوبيقا" في منطق أرسطو من نقله أيضا، وهو يقع بعد أنالوطيقا الأواخر أو "التحليلات الثانية"[xiii].
2.      وفي الفقرة رقم (5) في العبارة التي تبدأ بقول التمتمي: "وقد اشتهر عند كثير من الكتّاب والباحثين أن علماء الكلام والفلاسفة ... إلى قوله وأطلقوا على ذلك التهذيب (المنطق الإسلامي)" وهي عبارة منتحلة موجودة باسم (أبي العلاء الحضرمي) بتاريخ 29/8/ 2006 بعنوان: "الإمام الغزالي والمنطق الإسلامي" على موقع ملتقى أهل الحديث؛ ولا يعتمد كثيرا على مقالاتهم ومنشوراتهم بسبب عدم تعمّقهم في المنطق، ولكن الأهم أن كاتب الموضوع يستدرك على العبارة وينتقدها، وصاحبنا التمتمي ينتحلها ناقصة فيقرها؛ ولك أن تعود إلى الموضوع إذ يقول الحضرمي: "ولكن عند النظر والبحث والدراسة ومدى مصداقية هذه الدعوى يلاحظ...."
3.       وفي الفقرة (6) والتي تبدأ بقول التمتمي: "وأشهر من أولى المنطق العناية الفائقة..." وهي فقرة منتحلة مسروقة، ولا تغرك الإحالة إلى محمد لطفي جمعة في "تاريخ فلاسفة الإسلام"؛ إذ يقع التمتمي في خطأ يجعل العبارة مختلة؛ بسبب قطع العبارة؛ إذ يعمد التمتمي كعادته إلى السرقة من الشبكة أو من مصدر هو يعلمه، وهي عملية تقنية لا تقي المنتحلين من الوقوع في الأغلاط والفضائح؛ فعبارة القاضي صاعد الأندلسي من (طبقات الأمم) نقلها العلامة الفضلي في مذكرة المنطق، والسقط وقع في الجملة الآتية: "وجمع ما يحتاج إليه منها في كتب صحيحة العبارة، لطيفة الإشارة، منبهة على ما أغفله الكندي..."[xiv]
4.       يمارس التمتمي "تضليل القارئ"  بعد انتحال المقدمة في نهايتها قائلا: "وقد جاء هذا الكتاب ليسهل على الطلاب دراسة هذا الفن، وقد بذلت الجهد لتخليص أهم مسائل الباب، فلم أختصره اختصارا..... (إلى نهاية الفقرة)" والجهد الذي بذله التمتمي هو الانتحال من جهود العلماء البارعين في المنطق؛ ولذلك سيقع في التكرار في الفصل الذي سماه "المنطق نشأة وتعريفا".
5.       يعتقد بعض "الباحثين" من التيارات الدينية السلفية وغيرها ممن لهم كتابات في المنطق لا تعدو من كونها منشورات أو مقالات؛ أن المنطق الأرسطي يتحول إلى منطق إسلامي بمجرد إيراد أمثلة دينية من الآيات أو الأحاديث، ولا إشكال في الأمر؛ ولكنّ نحت الأمثلة أو انتقاءها يقتضي فهم "القياس" أو "صناعة البرهان"؛ وإلا تولد طفل خديج يسمى "المنطق الإسلامي"  أو القياس، يشوه كل التراث المنطقي في عقول قراء هذا الضرب من الكتابات، وقد وقع صاحبنا التمتمي في ذلك، وهو في وقوعه ذلك لا يستطيع التخلص من الانتحال والعاطفة المذهبية فيزج بالسالمي في الكتاب، ويلقبه بـ"الإمام" دون غيره من العلماء؛ والسالمي - مع كل التقدير له-  ليس منطقيا، وهو في أصول الفقه عالمٌ مشاركٌ متأخر جدا لا تعدو كتاباته الأصولية من كونها نقلا، أو شرحا، أو نظما وفق "مدرسة المتكلمين" ومصادره واضحة في كتابه، ولا بأس بإيراد آرائه إن كانت تضيف جديدا، أو تنقد قديما، وفق الأسس العلمية بعيدا عن العاطفة المذهبية التي تظهر بوضوح في أسلوب التمتمي إن كان له أسلوب أصلا في كتابه "المنتحل"؛ هذا من جانب؛ ومن جانب آخر نجده  يعمد إلى الأمثلة من نصوص السنة فيعيد روايتها، ويمارس التضليل على القارئ من جديد، وكأنها من استشهاداته؛ وهي في الحقيقة أمثلة مشهورة مسندة إلى أصحابها في كتب المنطق، ومن بينها:
·        ما أورده من قوله: "وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم القياس ومن ذلك ما جاء عند الإمام الربيع...."[xv]، ويمكن للقارئ أن يعود إلى مذكرة جامعية لطلبة الماجستير منشورة على الشبكة بعنوان: " أصول فقه" تحت النوع الثاني والثالث من أدلة الجمهور من السنة[xvi]؛ بل إن ناصح الدين أبا الفرج عبدالرحمن بن نجم الدين الحنبلي؛ قد ذكر هذا القياس النبوي ضمن كتابه المخطوط: "أقيسة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم" من حديث البخاري عن ابن عباس أن امرأة من جهينة جاءت (الحديث)[xvii].
·        ما أورده في (فصل في الكليات الخمس)، (علما بأن التمتمي أحيانا يثبت السابقة: (فصل)، وأحيانا يدمغها)  من قوله: "ومن حديث ذي اليدين أيضا: "أقصرت الصلاة أم نسيت... (الحديث)، ودون أي تعليق أو شرح، وفي ذلك مغالطة وتضليل، وانتحال؛ فهذا الاستشهاد مشهور أنه للعلّامة الأخضري في "متن السلم في المنطق"  ورد "في بيان الكلّ والكلية والجزء والجزئية" إذ يقول: *الكلُّ حكمُنا على المجموع ككلُّ ذاك ليس ذا وقوعِ*، بيد أن المؤلف لا يدري أن استشهاد العلامة الأخضري نفسه غير صحيح؛ لأنه تمثيل على المجموع؛ يقول العلامة القويسني: "وكون الحديث من الكل يقتضي أن يكون المقصود نفي القصر والنسيان مجتمعين، لا نفي كلّ على حدته، وهذا تأويل مرجوع، والراجح أن المقصود نفي كل من القصر والنسيان على حدته ؛ فيكون سلبا كليا؛ لأن السؤال بأم عن أحد الأمرين لطلب التعيين؛ فجوابه: إما بالتعيين، وإما بنفي كل منهما لا بنفي اجتماعهما؛ لأن السائل لم يعتقد الاجتماع، وإنما اعتقد ثبوت واحد منهما؛ ولأنه قد روي أن ذا اليدين قال له: بل بعض ذلك قد كان، وهذا إنما نفي كل منهما لا نفي اجتماعهما؛ لما تقرر من أن الموجبة الجزئية إنما تناقض السالبة الكلية، ولأن القاعدة الغالبة أن كلا إذا تقدمت على النفي كان الكلام من عموم السلب، وكلٌّ متقدمة هنا في: كل ذلك لم يكن، فيكون السلب عاما لكل فرد بحسب الظن لا بحسب الواقع فلا كذب، وحينئذ تمثيل المصنّف للكل بهذا المثال غير صحيح"[xviii].
6.       يظهر إشكال الأمثلة عند التمتمي في القياس أيضا وغالب الظن أن ما يحدث من زج الأمثلة العجيبة في صناعة "أشكال القياس" إنما هو بفعل التيارات الدينية السلفية، والتي رأت مؤخرا حاجتها إلى "المنطق" فوقعت بين عاطفتين: عاطفة الكراهة للمنطق، والمناطقة، والأصوليين والمتكلمين والفلاسفة سيرا على منهاج ابن تيمية، وعاطفة الافتقار إلى المنطق؛ فسلكت مسلكا تلفيقيا؛ بأن تُلبس المنطق ثوبا إسلاميا يعتمد ثلة من الأمثلة التي تنبع من اللاوعي الديني؛ لإشباع الحاجات النفسية فيهم، وتلك لعمري محاولة لا تخلو من بؤس، وتشبه إلى حدّ ما محاولة مجتمع أن تلبس فيلسوفا يونانيا لباسا عربيا؛ ليتحول بمجرد هذا اللبوس إلى "كائن عربي"، وذلك سجن الهُوية عن فسيح الإنسانية ورحابة العقل، ولو أنّهم دققوا النظر؛ لوجدوا أن القاسم المشترك الذي يجمع بيننا جميعا هو "العقل الإنساني"؛ فالمنطق الأرسطي، والرواقي، والقديم أو الحديث إنما ينتمي إلى طبيعة العقل الإنساني في بناء المعرفة واستكشاف الوجود بعيدا عن الانتماء المذهبي أو الديني الضيق. والخطأ في صناعة البرهان ينجم إمّا من نفس مادة البرهان، وإمّا من ترتيبها، ومثال التمتمي هو: (كل من يصلي مخلصا لله فهو ناج، ثم نرى محمدا يصلي مخلصا لله تعالى، فنقول: محمد يصلي مخلصا لله، وكل من يصلي مخلصا لله فهو ناج، النتيجة: محمدٌ ناجٍ)[xix]؛ لا أدري كيف لي أن أنعت هذا المثال العجيب، ولكنني سأطرح على "التمتمي المنطقي" أسئلة: كيف عرفت أن من يصلّي مخلصا لله ينجو أبالاستقراء أم التمثيل؟ وهل تستطيع - وربّك العلى- أن تحدد لنا "الإخلاص" تحديدا ماهويا؟ بعيارة أخرى: ما المقدمة اليقينية التي بنيت عليها البرهان؟ عزيزي التمتمي تنبّه إلى الآتي:
·        يقول الغزالي في مادة القياس: "ومادته هي العلوم، لكن لا كل علم، بل العلم التصديقي، دون العلم التصوري، وإنما العلم التصوري مادة الحد، والعلم التصديقي هو العلم بنسبة ذوات الحقائق بعضها إلى بعض بالإيجاب أو بالسلب، ولا كل تصديق؛ بل التصديق الصادق في نفسه، ولا كلّ صادق؛ بل الصادق اليقيني، فرب شيء في نفسه صادق عند الله، وليس يقينا عند الناظر، فلا يصلح أن يكون عنده مادة للقياس الذي يطلب به استنتاج اليقين، ولا كل يقيني؛ بل اليقيني الكلي، أعني أن يكون كذلك في كل حال"[xx]، ولو دققت النظر لوجدت أن ما اعتمدت عليه ليكون مادة القياس، إنما من المسائل الزائفة في الوضعانية المنطقية؛ فليس له واقع صادق؛ فهو معتقد، والكشف عنه من اختصاصات الله وليس من اختصاصك حتى تجعله مقدمة البرهان، أيّها الباحث عن "الإخلاص" في قلوب البشر.
·        يقول محمد باقر الصدر: "إن المفهوم الأرسطي للبرهان هو اليقين بثبوت المحمول للموضوع عن طريق معرفة العلة الحقيقية لثبوته له؛ فكل قضية علم فيها بثبوت المحمول للموضوع، وكان ذلك عن طريق معرفة العلة التي من أجلها ثبت المحمول فهي قضية برهانية"[xxi]
7.       بسبب أسلوب "الانتحالات"، والأخذ من الشبكات؛ لا يحترز التمتمي من الوقوع في تشويه النصوص المنقولة من مدونات الجهابذة؛ ومن ذلك ما حدث في (أقسام العلم التصوري والتصديقي)؛ مما لا يقع فيه طالب في السنة الأولى؛ إذ يخلط التمتمي بين عنوان وضعه المحقق أو المعتني بكتاب البحر المحيط للزركشي، ونص المؤلف نفسه؛ فيقول التمتمي: " قال الزركشي: "العلم إمّا قديم وإما حادث ... قديم، فلا يوصف بنظر ولا ضرورة..." ولو عاد إلى الكتاب، أو أنه لو تمعن في العبارة لوجد أنها مشوهة؛ لأن الزركشي يعنون بـ "مسالة" ويقول: "العلم إما قديم فلا يوصف بنظر ولا ضرورة... (إلى نهاية كلامه في توضيح القديم) وإما حادث، وينقسم إلى ضروري وإلى نظري..."[xxii]؛ ولذلك فلا حاجة لإيراد نصّ للسالمي هنا؛ فلن يضيف جديدا.
انتحالات التمتمي الفاضحة:
                نكتفي بما أوردناه من الأخطاء العلمية والمنهجية، ونترك الباقي إلى وقته إن كانت هناك مناسبة في المستقبل حول الكتاب، ونشير هنا إلى جملة من السرقات والانتحال، ومعنى الانتحال Plagiarism؛ هو "السرقة الأدبية (الفنية أو الموسيقية)؛ إنه الادعاء الكاذب بالتأليف: استخدام إنتاج فكري لشخص ما على أنه إنتاج شخصي"[xxiii]، وفي لسان العرب لابن منظور: (النِّحلة) بكسر النون وتسكين المهملة: الدعوى. وانتحل فلانٌ شعر فلانٍ أو قول فلان إذا ادَّعاه أنّه قائله، وتنحّله: ادّعاه وهو لغيره[xxiv]، ويكون الانتحال متعمّدا  عندما يقدم المتحدث أو الكاتب كلمات غيره أو أفكاره على أنها أعماله؛ وقد يكون غير متعمد بسبب الصياغة غير الواعية أو غير المتقنة لأفكار الآخرين[xxv]، ويورد طه عيساني في دراسة له بعنوان: الممارسات الأكاديمية الصحيحة وتجنب السرقة العلمية؛ أمثلة متعددة من السرقات؛ مثل: نشر معلومات من الإنترنت دون الإشارة إليها بعلامات الاقتباس، وإعادة صياغة أفكار الآخرين ومعلوماتهم دون الإشارة إليهم، وتقديم أفكار في الشكل والترتيب نفسه في المصادر، أو شراء نصّ من شخص آخر والادعاء أنه من تأليفه، وغيرها من أشكال السرقات[xxvi]. في الآتي نطرح عينة من السرقات والانتحالات الفاضحة التي مارسها التمتمي في كتابه "خلاصة المنطق" مع الإشارة إليها بإيجاز مع الصفحات:
1.       مقدمة التمتمي في الصفحات (9- 12) منتحلة من كتاب العلامة عبدالهادي الفضلي "مذكرة المنطق" بكل الإحالات الواردة عند الفضلي؛ مع أخطاء التمتمي العلمية التي وقع فيها، ويمكن للقراء العودة إلى العلامة الفضلي في الصفحات (7- 10) بعنوان: نبذة في تاريخ علم المنطق؛ ولذلك وضع هذه المعلومات في المقدمة نوع من التخليط الذي يدل على أن التمتمي لا شأن له بالبحث ولا التأليف، إلا ما ورد في الصفحة (10) من كتابه قائلا: "وقد اشتهر عند كثير من الكتاب والباحثين إلى (المنطق الإسلامي)" فإنها مسروقة من مقال الحضرمي من موقع ملتقى أهل الحديث، وليته انتحل الفكرة ونقدها؛ علما بأن مقدمة العلامة الفضلي متوفرة على الشبكة، وذلك يسهل عمليات الانتحال.
2.       الفصل الذي يعنونه بـ "المنطق نشأة وتعريفا" وهو يقع في الصفحات (13- 18) يصدّره بأبيات الصبان، ويسميها "تمهيدا" ليقول: "أولا: تعريف المنطق (Logic) اشتقت كلمة ... (إلى قوله: أو الناموس" في الصفحة (14) منتحلة بإحالاتها من مدونة كاتب؛ من مقال منشور بعنوان: "منطق أرسطو وموقف الفلاسفة المنتسبين للإسلام والمتكلمين منه" بتاريخ 21 يونيو 2013، وكذلك مادة ابن منظور في لسان العرب، وتعريف الجرجاني بذات الإحالات في مصادر الانتحال، كما أن الفقرة التي تبدأ بعد العنوان الفرعي: "نسبة علم المنطق" في الصفحة (15) من كتاب التمتمي مأخوذة من مقال صمهود في مدونة كاتب، بالإحالة نفسها، ولعل المؤلف انتحل الفقرة من مكان آخر غير مباشر، أما الفقرة في الصفحة (16) والتي تبدأ بقول التمتمي: "وأرسطو يسمى أيضا أرسطوطاليس... إلى قوله (تارة العقل، وتارة القراء)" فإنها فقرة مسروقة بتمامها من مدونة كاتب من المقال نفسه لعادل صمهود، والإحالة إلى يوسف كرم، أما حكم تعلم المنطق في الصفحة (16) فإنه وارد في كثير من المصادر، ولكن صنيع المؤلف يوهم بأن الترتيب من فعله من مصادر مذاهب العلماء في تعلم المنطق؛ ولذلك أحيل القراء إلى موقع دار الإفتاء المصرية حيث حكم تعلم المنطق منشورا بتاريخ 30/3/ 2014 ضمن الفتاوى البحثية مع أبيات الأخضري في السلم والتي أوردها التمتمي في الصفحة (17).
3.       وفي الفصل الذي عقده لـ"أقسام العلم" يورد الاختلاف في حدّ العلم وينقل حدودا  لا نعلم مصادرها؛ إذ يحيل العبارة: "إن مطلق العلم ضروري" على الشوكاني في إرشاد الفحول، وقد وقع في هذا التخليط بسبب الانتحالات المتكررة من الشبكة دون معرفة مصادر الحدود والمذاهب؛ وهي كلها موجودة في إرشاد الفحول، بل يوهم القارئ أن العبارة المحالة على الشوكاني للشوكاني في الإرشاد؛ ولكنها لجماعة منهم الرازي، والثانية للجويني أبي المعالي[xxvii]، وأما ما في الصفحتين (20- 21): "ثانيا أقسام العلم"؛ فإنه منتحل من كتاب العلامة محمد الأمين الشنقيطي "آداب البحث والمناظرة" مع تغييرات بسيطة؛ إذ لا يمكن للمؤلف أن يبتدعها من عنده، وللقراء العودة إلى الشنقيطي في كتابه، وهو متاح على الشبكة لعقد المقارنات.
4.       وفي الفصل الذي عقده حول "أقسام العلم التصوري والتصديقي"  (الصفحات 25- 27) تجد تعريفات العلم الحصولي والحضوري معزوة إلى حاشية العطار، وهي متقاطعة بشكل واضح مع ما أورده العلامة الفضلي في خلاصة علم الكلام الصفحة (43)، وفي تقسيم العلم إلى ضروري ونظري؛ يتقاطع ما أورده مع كتاب الشنقيطي تقاطعا واضحا (الصفحة 15)، وفي نقل تعريف يعزوه إلى الأصوليين، ويحيله على المارديني في الأنجم الزاهرات؛ يقع في خطأ واضح في نقل التعريف؛ من حيث إن المارديني لم يدّع بأنه قول الأصوليين جميعا، ومن حيث إن تحديد المارديني نصا كالآتي: "العلم الضروري: ما لم يقع عن نظر واستدلال؛ كالعلم الواقع بإحدى الحواس الخمس التي هي: حاسة السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، أو بالتواتر"[xxviii]؛ فالعلم الضروري في تحديده إما بالحواس، وإما بالتواتر، فأسقط التمتمي نصف التحديد بسبب نقله من الوسائط، وفي تقسيمه للعلم إلى فعلي وانفعالي يورد الحدود والأفكار دونما إسناد إلى أصحابها، كما نلاحظ أن تقسيم العلم إلى الفعلي والانفعالي موجود ومطابق لما هو في "كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم" للتهانوي (الصفحة جـ2/ 1227)، والمثال الذي ذكره عن "الخريطة في ذهن المهندس" موجود عند العلامة جعفر السبحاني في "نظرية المعرفة (الصفحة 47). وهذا يعني أن انتحالات التمتمي تمت عبر كتاب آخر، أو تم التلفيق لاحقا.
5.       وفي فصل الدلالة عند التمتمي بدءا من التعريف وحتى الأركان (الصفحة 28) كله منحول من "خلاصة علم المنطق" للفضلي على الشبكة، وأما الدلالة العقلية، والطبعية فإنها منحولة بتمامها من الشبكة "دروس في علم المنطق" للعلامة إبراهيم الأنصاري، ولا أدري كيف يحدد التمتمي أنواع الدلالة الوضعية دونما مصدر من مصادر المنطق وأصول الفقه أو الكلام؛ والتمتمي إذا وجد الإحالة في الكتاب الذي ينتحل منه؛ أورد المصدر كما هو؛ فإن لم يجد فلا يدري من أي كتاب أخذ؛ فيورد أقوال العلماء ونصوصهم بتمامها دونما إسناد؛ ففي (الصفحات 31- 32) تجد فقرات تبدأ بقوله: "وفيه مسألتان: المسألة الأولى: دلالة المطابقة لفظية ... (إلى قوله) على الرأي الثاني، بل واحدة" وهي عبارة منتحلة بتمامها من  "شرح الكوكب المنير" للقنوجي (جـ1/ 127- 128)، الزركشي في البحر المحيط (جـ2/ 422)، ولكن لم يؤخذ من طبعة دار الكتب العلمية، وإنما من موقع "موسوعة أصول الفقه"
6.       وفي الفصل الذي عقده "في أنواع الألفاظ" ينقل تعريفات دون الإشارة إلى مصدرها، وهي مطابقة تقريبا لتقسيمات وتحديدات العلامة الفضلي في "خلاصة علم المنطق" نسخة الشبكة، حتى إذا وصل إلى (الصفحة 35) أصدر حكما عجيبا دون الإشارة إلى مرجع، وهو حكم لا بد من اعتماده على دراسات نحوية ومنطقية راسخة لا وجود لها عند التمتمي؛ إذ جاء بالنص: "تقسيم النحاة للكلمة إلى ثلاثة أقسام عند الجمهور هو تقسيم عقلي متأثر بعلم المنطق فهناك فعل وقع وفاعل فعله ومفعول وقع عليه وأداة موصلة رابطة بين الفعل والفاعل والمفعول به" (الصفحة 35)؛ ولعل العودة إلى الفصل الثاني: "أرسطو وأقسام الكلام ومسألة تعددها" في كتاب عبدالرحمن الحاج صالح (منطق العرب في علوم اللسان) مستحسن؛ أو إلى دراسة محي الدين محشب بعنوان: (الثقافة المنطقية في الفكر النحوي"، فهي قضية جدلية لم تحسم دخلت عبر المستشرقين، وكأنهم يستكثرون على العرب وجود دراسات لسانية مكتملة البنيان عندهم؛ بسبب نزعاتهم المركزية، ولا أدري من أين أخذ التمتمي هذه العبارة وأطلقها؛ أما العبارة التي تأتي بعدها والتي تبدأ بقوله: "سبق أن الأداة ليس لها معنى مستقل... (إلى قوله) أفعال ناقصة" فهي منتحلة من كتاب العلامة إبراهيم الأنصاري "دروس في علم المنطق"، وموجود أيضا عند العلامة المظفر.
7.       وفي "القسم الثاني: المركب" يأتي التمتمي بتعريف للمركب، "وهو اللفظ الذي يدل جزؤه على جزء معناه دلالة مقصودة" ؛ ثم يشرح التعريف ويحال على دراسة ابتسام جمال: "القياس ومكانته في المنطق اليوناني" وبسبب انتحالاته من الوسائط فإنه يرتكب غلطين: (الأول) أن التعريف في الدراسة به قيد "دلالة مقصودة خالصة" فسقط القيد في كتاب التمتمي، و(الثاني) أن الإحالة إلى دراسة ابتسام جمال في كتاب التمتمي على (الصفحة 13) والغريب أن الدراسة تقع في مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة (جـ14) العدد (23) في الصفحات (407- 457)، وهذا (ربما) دلك على وجود انتحال من مرجع وسيط؛ فتمت الإحالة كما هو في المرجع بأغلاطه، وأما "المركب التام الإنشائي" بتحديده وأمثلته فإنه منتحل من كتاب خلاصة علم المنطق للعلامة الفضلي على الشبكة
8.       وفي "فصل في أقسام المعنى باعتبار وجوده" وما بعدع يمكن العودة إلى "خلاصة المنطق" ليلاحظ التشابه في الترتيب واللغة دون الإشارة إلى أي مصدر من التمتمي وذلك دأبه في كثير من كتابه من حيث لا يمكن وضع التعريفات والشرح واصطناعها، والأعجب أن التمتمي يأتي بتعريف "العرض العام" وهو "ما يصدق على كثيرين ويعرض للماهية وغيرها وليس بواقع جوابا" ولا يذكر مصدرا للتعريف مع كثرة كتب المنطق؛ حتى تجده يقول وكأنه أحد جهابذة المنطق: " (1)قولي (يعرض للماهية وغيرها): يخرج به الخاصة؛ فإنها تعرض للماهية فقط. (2) قولي (ليس جوابا للسؤال): يخرج به بقية الكليات..."
9.       أما الفصل الذي عقده في موضوع "الحمل" فإنه مطابق ومنتحل مع تغييرات طفيفة من العلامتين الأنصاري في "الدروس" والفضلي في "خلاصة علم المنطق" على الشبكة أو الكتاب المنشور "خلاصة المنطق" بنفس الإحالة إلى العلامة المظفر في "المنطق"، والفصل الذي يليه وهو "في النسب الأربع" فإنه منتحل من كتاب العلامة الفضلي "خلاصة المنطق" في الصفحات (95- 97)، وفي فصل "المعرف" سيلاحظ القارئ المطابقة مع الفضلي (113-116)حتى في الإحالة على القزويني في الشمسية مع تحريفات بسيطة لا تخفى على القارئ ، أما الفصل الذي عقده لـ"المعرف" فيمكن للقارئ أن يعود إلى العلامة الفضلي في الخلاصة، والأنصاري في الدروس ولا سيما في شروط التعريف عند الأخير، وفي فصل "التقسيم" في الصفحات (69-76) عند التمتمي هناك انتحالات واضحة من المنطق عند العلامة المظفر ويمكن العودة إلى كتاب "المقرر في شرح منطق المظفر لرائد الحيدري في الصفحات ( أصول التقسيم، ص.188، أساس التقسيم عند التمتمي، وأصول التقسيم عنده أيضا ص. 71، ونخلص إلى أمور ثلاثة (عند التمتمي، ص. 72، بالنص منقول من منطق المظفر، ص. 189، وملاحظة التمتمي موجودة في منطق المظفر، ص. 189، وأنواع القسمة عند التمتمي، ص. 72- 73، موجودة عند المظفر في مقرر الحيدري، ص. 190- 191، أساليب القسمة عند التمتمي، ص. 74- 75، في أساليب القسمة عند المظفر في المقرر، ص. 193- 197)، وأما فصل "التصنيف" عند التمتمي، (ص. 77- 78) فإنه منتحل من كتاب الفضلي "الخلاصة"، ص. 125- 126
10.   في الفصل الذي عقده عن "القضية"  نلاحظ أن الفقرات عند التمتمي، ص. 79 التي تبدأ بقوله: "تعريف القضية" وحتى "تعريف آخر" بكامله؛ فإنه منتحل من خلاصة الفضلي، ص. 131، ومن "المذكرة" ص. 92 والتمتمي لا يدري أن التعريف الآخر هو للعلامة المظفر، والإحالة إلى النجاة موجودة عند الفضلي في الكتابين فأخذها التمتمي، وأخذ ما بعد قوله: "ملاحظة" ص. 79 وحتى البند (2)  فإنه منتحل من مذكرة الفضلي بتحليلاته وإحالاته إلى العلامة اليزدي، والفارابي، وتجريد المحقق الطوسي، مع تخليطات التمتمي بسبب عدم معرفته وإلمامه بهذه المصادر ومحتوياتها، ثم انتحل ثلاث فقرات عنونها بــ"ضابط مهم"، ص. 83، من منطق العلامة المظفر، ويمكن العودة إلى مقرر الحيدري، ص. 232- 233، ثم كرر التمتمي نفس المعنى في "القضايا التي يدرسها المناطقة" ليدرك القارئ التخليط الذي يقع فيه، ثم انتحل مكونات القضية الشرطية من العلامة الفضلي، ص. 96 في "المذكرة"، والغريب أنك تشعر مع كل هذه السرقات والانتحالات بالتعالي من التمتمي إذ يقول: "واعلم أيها الطالب النجيب أن كل محمول نسب إلى موضوع..." وكأنه أحد جهابذة المنطق يخاطب طائفة من الطلبة المبتدئين.
11.   وفي فصل الاستدلال عند التمتمي، ص. 92، يصدّره بانتحال من العلامة الفضلي في "المذكرة"، ص. 91، وسوف يلاحظ القارئ في كتاب التمتمي اضطرابه في الاستدلال غير المباشر باللوازم، وما بقي من هذا الفصل منتحل تقريبا من شرح عبدالرحيم فرج الجندي لسلم الأخضري، ويمكن أن يلاحظ القارئ الانتحالات في فصل الاستقراء، وأقسامه، وكيفيته، وحتى مناهج البحث العلمي، وهي كلها عبارة عن "القص" و"اللصق" دونما مراعاة لأدنى درجات الأمانة العلمية، ولولا الإطالة لفصلتها تفصيلا بالصفحات من مصادرها، ويقع بسبب ذلك في تخليطات علمية كما فعل في "الصناعات العلمية؛ إذ جعلها "أقيسة منطقية" ، وإنما هي "المادة التي يتألف منها القياس".
                يستطيع القارئ أن يصل إلى حكم عام، فحواه: أن الكتاب كله منتحل، لا يتحلى صاحبه بأدنى درجات الأمانة العلمية فيه، وهو يقع بذلك في طائلة المساءلات القانونية والحرج الشديد، وقبل إنهاء المقال، أود الإشارة إلى أمرين، هما:
                الأول:  في فصل "القياس الاستثنائي" يفاجأ القارئ بفصل غريب بعنوان: "موقف ابن حزم من القياس الأرسطي والشرعي الأصولي"، يعمد فيه إلى حشر رواية من مسند الربيع بن حبيب لإشباع عاطفته المذهبية؛ يستخف بعقول القراء؛ حتى إذا دققنا النظر نجد العنوان بمحتوياته منتحل من دراسة عميقة للباحث المصطفى الوظيفي، بعنوان: المناظرة في أصول التشريع، ولا أدري كيف نقل محتويات الأفكار والنصوص والإحالات؟ وكيف سولت له نفسه أن ينتحل أفكار هذه الدراسة التي لا علاقة لها بكتابه، ويمكن للقراء أن يقوموا بقراءة الدراسة والمقارنة بينها وبين ما ورد عند التمتمي في الصفحات (121- 126)، وتتبع الدراسات التي لها علاقة بالقضية، واختلاف اللغة الواصفة بينها وبين محتوى خلاصة التمتمي.
                الثاني: من عجائب صنائع التمتمي أن ينتحل في فصل "كيفية الاستدلال بالاستقراء" من العلامة عبدالهادي الفضلي، وإذا به يورد عنوانا مضخما لعله من وضعه، (ولعله الوحيد من لفظه)، وهو "نظرية الدوران عند الأصوليين" وهذا لا يعدو من كونه مسلكا من مسالك العلة، أو شروطها عند الأصوليين، ولعل قدرا قد تدخل بقوة فحول هذا البند إلى نظرية عند التمتمي؛ وحتى يكتمل شعوره العجيب؛ فإنه لا يزيد أن يورد نصا للسالمي في كتابه "شرح طلعة الشمس"، ولعله لا يستوعب الفرق بين "العلة الشرعية" التي هي "المعنى" أو "الوصف" عند الأصوليين، بوصفها علامة، و"العلة" عند المناطقة، أو في العلوم الطبيعية.
تحياتي لكم جميعا مع الاعتذار الشديد بسبب الإطالة.



[i] التمتمي، خلاصة المنطق، من تقديم سليم آل ثاني، ص. 4
[ii] نوبوأكي نوتوهارا، العرب وجهة نظر يابانية، ص. 12
[iii] التمتمي، ص. 12
[iv] الكتاب منشور ضمن رسائل ابن حزم الأندلسي، تحقيق إحسان عباس، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات، وهو في الجزء الرابع مع رسالة مراتب العلوم، ورسائل أخرى، والتقريب يقع في الصفحات: 91-  456
[v] تعد رسالة صغيرة ومهمة منشورة عن دار الطليعة في بيروت، لعادل فاخوري، سنة 1978، وأعيد نشرها سنة 1990، ويرى فاخوري أن علم أصول الفقه صورة قديمة للمنطق المتفرع عن المنطق الرياضي في العصر الحديث؛ فهو يصلح قالبا لكل شرع وخلق، انظر الرسالة، ص. 7.
[vi] التمتمي، خلاصة المنطق، من تقديم سليم آل ثاني، ص. 9
[vii] ينظر مقدمة كتاب العلامة عبدالهادي الفضلي، خلاصة المنطق، 2007، للأستاذ حسين منصور الشيخ عن لجنة مؤلفات العلامة الفضلي، ص. 13
[viii] ابن سينا، الشفاء: المنطق، القاهرة: المطبعة الأميرية (1952)، مقدمة الدكتور إبراهيم مدكور، ص. 44- 51
[ix] التمتمي، ص. 10
[x] الفضلي، مذكرة المنطق، قم: مؤسسة دار الكتاب الإسلامي، ص. 8
[xi] يوجد على الشبكة ملف بصيغة الوورد بعنوان "نبذة في تاريخ المنطق، وهي قطعة كاملة لمقدمة العلامة الفضلي دون نسبة إليه
[xii] ينظر الجزء الثالث من منطق أرسطو، ص. 10455- 1104،
[xiii] ينظر منطق أرسطو، جـ2/ ص. 486
[xiv] الفضلي، المذكرة، ص.8-9
[xv] التمتمي، ص. 124
[xvi] ينظر المذكرة نفسها على الشبكة، ص. 206
[xvii] ينظر مخطوطة ابن الحنلي، ص. 28- 29
[xviii] حسن درويش القويسني، الشرح على متن السلّم في المنطق للأخضري، ص. 18- 19
[xix] التمتمي، ص. 105
[xx] الغزالي، معيار العلم، ص. 182
[xxi] محمد باقر الصدر، الأسس المنطقية للاستقراء، ص. 33
[xxii] الزركشي، البحر المحيط، مجــ1/ ص. 45
[xxiii] أحمد الخطيب، موسوعة التعليم والتدريب، (مقال) 22/3/ 2009
[xxiv] ابن منظور، لسان العرب، مادة (نحل)، جـ11/ ص. 650
[xxv] أحمد الخطيب، المرجع السابق.
[xxvi] طه عيساني، الممارسات الأكاديمية الصحيحة وأساليب تجنب السرقة العلمية، منشور ضمن أعمال الملتقى العلمي المشترك الأول مع المكتبة الوطنية الجزائرية: تمتين أدبيات البحث العلمي، ديسمبر 2015، ص. 140
[xxvii] الشوكاني، إرشاد الفحول، مجـ1/ ص. 29- 30
[xxviii] شمس الدين المارديني، الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات في أصول الفقه، ص. 100

No comments:

Post a Comment